تقصدّت أن يكون عنوان المداخلة سؤالاً.. يشبه افتراضاً بحسن النية، لأن الكتابة حول معرض «الخريف» السنوي لهذا العام 2014 تشبه المراوحة بالمكان، وقد لا يستطيع أي متابع أن يضيف شيئاً لما قيل حوله في دورات عديدة سابقة، من حيث عدد المشاركين وازدحام اللوحات أو لمستواها الفني عموماً، طبعاً وللإنصاف باستثناء بعض المشاركين بأسمائهم المعروفة التي تعوّدنا على مشاركاتها، بالإضافة لبعض الأسماء الكبيرة لأسبابهم الخاصة التي شكّلت تلك المشاركات علامة فارقة في المعرض سنأتي عليها في سياق الحديث ..
بالمقارنة مع معرض الربيع السنوي الأحدث الذي كان مميّزاً هذا العام نلاحظ تدنّي مستوى هذا المعرض «الخريف» لاحتوائه على أكثر من حوالي الخمسين عملاً بين التصوير والنحت لا يليق عرضها بالإضافة إلى بعض أعمال الغرافيك على ندرتها هذه المرّة والتي تداخلت مع التصوير على نفس الجدار، إي بنسبة قد تتجاوز 20% ، وهذا ما رتّب بالضرورة على الجهة المنظّمة أعباءً إضافية من حيث الاعتراف أولاً بجدارة تلك الأعمال على اختلاف مستوياتها قد يفرض عليها مستقبلاً قبول ما هو أسوأ من ذلك لنفس الفنانين، وبالتالي أعباء مالية لاقتنائها على حساب أعمال أفضل تستحق أن يُعوَض عليها بقيمة أعلى، وهكذا نكون بحجّة الاحتواء قدّ أسأنا التصرف مع الفنانين الأكثر تميّزاً من المشاركين في هذا المعرض، والأهم ما سينعكس سلباً على من هو مُقاطع بالأصل لهذه الأسباب مجتمعة وهذا ما يؤكد للأسف صحة خياراتهم بالانكفاء.
تساؤلات ..
ما يستحق الإشارة إليه بصراحة رغم قتامة المشهد عموماً، هو تلك المفارقات التي أحدثها تكرار نفس الأخطاء والسلبيات في هذا المعرض مما دفع بمجموعة من المتناقضات تجتمع تحت سقف خان أسعد باشا – هذه التحفة المعمارية النادرة – وهذا لا شكّ أثار عدّة تساؤلات لدى مراقبين غيورين على مصلحة الوطن أولاً باعتبار هذا المعرض هو الوحيد الذي لابدّ أن يجمع كل فناني سورية في فناء واحد، وهذا ما يتيح فرصة مشاهدة مثالية لأعمال تستحق شرف “المشاركة”، وهذه بحدّ ذاتها ميزة كان يعتزّ بها فنانون معروفون بإضافتها إلى سيرتهم الفنية، بينما نلاحظ اليوم أنها فقدت بريقها ليتساوى الجميع بكافة مستوياتهم بهذه المشاركة التي لم تعدّ تشكّل أي أهمية للبعض فابتعد بهدوء تاركاً المجال للمواهب والهواة أن يأخذوا نصيبهم من هذه الهبة المجانية او المكافأة التي كانت قبل عشرات السنين مجزية أكثر لمعظم الفنانين.
علامات إيجابية ..
حتى لا نتعمّد التشاؤم وبعيداً عن التفصيل وتكرار ما أتى عليه المتابعون من استعراض للسلبيات وما سمعناه من ملاحظات حتى من المقاطعين للمعرض والذين اعترفوا بأهمية استقطاب المديرية لأسماء بارزة مثل «الياس الزيات – القيامة، وهند زلفة – الخلق والإشراق الداخلي) بعد سنوات طويلة من الانقطاع، هذا بالإضافة إلى لوحة الفنان الذي غادرنا مؤخّراً «د.حيدر يازجي» التي تصدّرت غلاف كاتالوغ المعرض، ولوحة الفنان الراحل أدهم إسماعيل، هذه المشاركات التي كانت حقيقة مميّزة ومفيدة وبادرة حسن نية يمكن أن تُعمّم في المستقبل إذا ما استدرك القائمون على هذا المعرض بعض الملاحظات والأخطاء التي قد يعترفون بها ويبرّرونها من باب الاحتواء والإفادة أو الدعم، وإلى ما هنالك من مسميات إيجابية تصبّ بالنتيجة لمصلحة الفنان المشارك من وجهة نظرهم طبعاً، وهذا برأيي لا يبرّر أبداً تلك الأخطاء «المطبّات» التي تعيق عمل المؤسّسة المعنية بالشأن التشكيلي «مديرية الفنون الجميلة»، ولابدّ أن تحمّلها أعباء إضافية جمّة بدءاً من عملية انتقاء الأعمال المُتقدّمة إلى المشاركة وحتى اقتناءها، «ضياع الكون، ارتقاء، زنبق أوريو، وينتظرون، الانتظار، مناجاة، وأربع أعمال بالنحت أيضاً بدون عنوان، .. إلخ» هذه عناوين بعض الأعمال «مرفق صورها» كنماذج وهي من التي تشكّل نسبة 20% من المعرض، لن نشير إلى أسماء أصحابها كون الغاية ليست التشهير بأحد، والأفضل برأيي اختيار ما هو مميّز ويحمل قيمة فنية يكون مكسباً للوزارة وإفادة للفنان، مثلما ستشكّل تلك الأعمال في المستقبل نواة مهمّة وأساسية لمقتنيات وزارة الثقافة ومتحف الفن الحديث الذي مازلنا نأمل بتحقيقه في يوم ما..؟! ، أو للمشاركة من خلالها بمعارض خارجية هامة تمثّل أفضل الموجود في الفن السوري المعاصر.
هذه الإشارات أو العلامات الإيجابية، على تلك الجهات التقاطها والعمل عليها في المستقبل بما يفيدها وأيضاً الفنانين المشاركين معها، كما سيحقّق هذا الاستدراك بطبيعة الحال رفع مستوى وقيمة المعرض وهذه الغاية بالأساس التي نسعى جميعاً لتحقيقها بالشكل الأمثل، وتشاركنا فيها الوزارة ممثّلة مديرية الفنون الجميلة على شكل وعود وآمال بعد انتهاء كل دورة..؟ ونأمل منهم هذه المرّة السعي مع الغيورين من فناني سورية على سمعة المعرض السنوي لتنفيذها واعتماد خطة عمل جديدة وجريئة لإنقاذ ما تبقى من هيبة وسمعة طيبة للحركة التشكيلية السورية والمفترض أن يمثّلها هذا المعرض بعد أكثر من ستين عاماً على انطلاقته.
إن ما تعرّض له هذا المعرض من انتهاكات وممارسات منذ أكثر من عشر سنوات، وبالمناسبة قد تكون معظمها بحسن نيّة، ولكن لم تفكر تلك الجهة والقيّمين عليها ولا مرّة لماذا عزف عدد كبير من الأسماء الهامة والفاعلة من المشاركة في هذا المعرض الذي مازال يشهد سنوياً تراجعاً من تلك الشريحة الواسعة وهذا ينسحب أيضاً ولو بنسبة ضئيلة على معرض الربيع للشباب، لنفس الأسباب والملاحظات وحتى لا يتحوّل المعرض إلى جمعية خيرية تضمّ الهواة وبعض المحترفين المشجّعين تعمل على دعم أعضائها للاستمرار بتقديم ما يمكن لبقاء المعرض على قيد الحياة، علينا أن نفكّر اليوم وقبل غد بما يمكن أن نفعله من أجلنا جميعاً، وحتى لا نضرّ بمصالح أحد لنفكّر جدّياً بمعرض يشبه الحالي يعوّض فيه على جميع المشاركين دون استثناء – وبمجرّد قبول عمله – بمكافأة مالية من غير اقتناء أو على شكل جوائز لتشكّل حافزاً لهؤلاء لتقديم الافضل ونسميه على سبيل المثال «معرض الفنانين الهواة».
أمنيات ..
وحتى لا تبقى تلك الافكار وكعادتها مجرّد أمنيات، لابدّ من الإشارة هنا إلى ضرورة الإسراع بتصحيح ذلك المسار من خلال دعوة المديرية لعدد من الفنانين المقاطعين الغيورين على مصلحة الفن والفنانين والاستماع إليهم وتسجيل ملاحظاتها للوصول من خلالها مع لجنة متخصّصة إلى قواسم مشتركة تنتهي إلى وضع نظام داخلي يؤسّس لآليات عمل جديدة لهذا المعرض تبشّر بالعودة به إلى أيام الزمن الجميل، يوم كان يستقطب الزوّار وبعض النقاد والمتابعين للمشهد التشكيلي السوري من بلدان مجاورة كلبنان، والأردن أحياناً بالإضافة إلى أفراد ومجموعات من معظم المحافظات السورية، كان يوم الافتتاح الذي بمثابة تظاهرة احتفالية مميّزة تجتمع فيها نخبة من المثقفين والشخصيات الاعتبارية والشعبية والإعلامية المعروفة من مقتنيين وتجار لوحات ومهتمين وما إلى هنالك من شرائح متنوعة بقيت لسنوات تغني تلك المناسبة اجتماعياً وثقافياً وتشكيلياً.
ربما اعتقد البعض بدوافع أو أسباب جعلتنا نفتح الباب واسعاً هذه المرّة للنقاش بجدية اعتدنا عليها في هذا الفضاء الإعلامي الوطني موضوعاً بات يشكّل برأيي أكثر من ضرورة، سوى محبتنا وغيريتنا، وللإشارة هنا – فقط وحتى لا نبخس الآخرين حقّهم – أن أهم التظاهرات والبينالات في دول الخليج وبعض الدول المجاورة التي انطلقت وأصبح لها سمعة كان دائماً على رأس المنظمين لها سوريون وما زال بعضها مستمراً إلى اليوم، دعونا نستفيد من وجود السيد عصام خليل وزير الثقافة الجديد، كونه طاقة شابة منفتحة ومتحمّسة لإنجاز ما لم يتمكن الآخرون من إنجازه أو إتمام ما بدأه البعض بجدية ومتابعته مع المعنيين في الوزارة، وهو الذي افتتح المعرض وقال في كلمة إلى صحيفة البعث «الفنانون التشكيليون السوريون من خلال هذا المعرض يؤكدون قدرة المبدع السوري على تحويل بلاده من خلال مهرجان الألوان في معرض الخريف إلى لوحة راقية تقدم سورية إلى العالم أيقونة من جلال تنبع رشاقتها من طاقة أبنائها الذين يبدعون الحياة في الحياة .. سورية والدة الجمال وسيدة الألق».
ما أجمله من توصيف، يستحقونه الفنانون التشكيليون السوريون بجدارة، مثلما تستحقه سورية الوطن الأغلى والأحلى، ولكن ليس في مثل هذا المقام ولا من خلال هذا المعرض الذي نأمل كما اعتدنا كل عام أن نستدرك في العام القادم السلبيات التي وقعنا فيها اليوم، وهنا أرى أنه من المفيد أن نذكّر إذا ما انعقد ذلك الاجتماع التقويمي أن يبحث في ضرورة إعادة التفكير بانضمام الشقيقين من جديد «الربيع والخريف» بمعرض واحد يكون على شكل تظاهرة ثقافية كبيرة توازي سمعة وتاريخ هذه المناسبة ويستحقها المشاركون فيه من كلّ الأجيال.
السطور القادمة تتعلق بمداخلة الأستاذ عماد كسحوت مدير الفنون الجميلة – وهو بالمناسبة نحّات ومتفهّم وعلاقته مميّزة مع جميع الفنانين – إلى الصحافة خلال افتتاح المعرض: «إن اللجنة التي اختارت أسماء الفنانين المشاركين حددت شروطا لقبول العمل الفني راعت جانب الإبداع والابتكار في العمل الفني وظهور بصمة الفنان الخاصة في العمل معتبرا أن معرض الخريف يساهم في إظهار المستوى الذي وصلت إليه الحركة التشكيلية السورية كون الفنانين المشاركين في المعرض ممن تراكمت خبراتهم الفنية واختمرت تجربتهم وحققوا أسلوبية خاصة بهم».
هذا الكلام وللأمانة من المفترض أن يكون قد حصل وبالتالي نكون قد أحلنا المسؤولية كاملة على عاتق لجنة التحكيم التي ضمّت في عضويتها اسماء كبيرة ومشهود بنزاهتها وخبرتها وهم «أ.م. ماهر عازر: معاون السيد الوزير/ أ.عماد الدين كسحوت : مدير الفنون الجميلة / د. فواز بكدش: عميد كلية الفنون الجميلة / د. إحسان العرّ: رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين / أ. سعد القاسم: فنان وناقد تشكيلي / أ. طلال معلّا: فنان تشكيلي / أ. أسماء فيّومي: فنانة تشكيلية / د. باسم دحدوح: فنان تشكيلي / د. نزار صابور: فنان تشكيلي / أ. طلال العبد الله : فنان تشكيلي ».
وبعد استعراضنا لأسماء اللجنة التي لا اعتقد ان هناك أثنان قد يختلفان على أي منهم ، لا بنزاهته و لا بكفاءته من حيث اختصاصه أو صفه تمثيله، ولكن هل بإمكان هذه اللجنة أو غيرها تحمّل مسؤولية خروج المعرض بهذا المستوى ..؟ وهل كان بالإمكان تحسين النتيجة تلك ..؟ بكل الأحوال يبقى هناك من يعتقد أنه كان بإمكانها التحفّظ على مستوى الأعمال المقدّمة وأن تختصر عدد المشاركين إلى النصف فتقلّل من حجم الخسارة وبالتالي يتيح هذا الخيار فرصة مشاهدة أفضل لما تبقى من أعمال ضمن الفضاء المحدّد للعرض، وأن لا تكتفي بتبرير موافقتها بأن هذا كان أفضل الموجود ولابدّ أن المعرض سيقام والمطلوب مشاركة واسعة من باب التشجيع والدعم بحجة الظروف الحالية.
أسئلة ستبقى بلا إجابات ..
وبعودة سريعة إلى السطور التي جاءت بين قوسين للأستاذ عماد الدين كسحوت مدير الفنون الجميلة، والتي تحيلنا إلى مجموعة من التساؤلات، أو الأسئلة التي لا ننتظر من أحد الإجابة عليها ولكن لابدّ ستثير فضول أي مهتم أو متلق متابع للمشهد التشكيلي اليوم :
1 – هل راعت تلك اللجنة الشروط التي وضعتها لقبول الأعمال «جانب الإبداع والابتكار في العمل الفني وظهور بصمة الفنان الخاصة».؟
2 – إلى أي مدى يمكن أن يعكس معرض الخريف السنوي 2014 مستوى اداء الحركة التشكيلية السورية اليوم؟
3 – كم تشكل نسبة الفنانين الذين تراكمت خبراتهم الفنية واختمرت تجربتهم وحققوا أسلوبية خاصة بهم في هذا المعرض ..؟
ستبقى مجرّد تساؤلات نتركها تتماهى مع أمنياتنا العديدة للعام الجديد 2015، والذي نأمل أن يكون أقل حزناً ويأتي بفرح مؤجّل لطالما انتظرناه .. سورية تستحق منا أكثر.. كل عام وأنتم بألف خير.
محمد عمر خليفة